مقالات

علي جلال يكتب: من دولة عظمي إلي ظل الإدارة الامريكية *بريطانيا..التي غابت عنها الشمس*

الحرب العالمية الثانية كانت رغم الانتصار هي بداية الانهيار*

**لبت الطلب بالخروج من الاتحاد الأوروبي حين قررت واشنطن تحجيم القارة العجوز*

*” الأنجلوأمريكية ” هي علاقة من نوع خاص*

يوما ما كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس, وفي الحقيقة كانت الإمبراطورية التي حجبت نور الشمس عن الكثيرين, هي واحده من اكبر الإمبراطوريات الاستعمارية في التاريخ فقد وصلت جيوشها إلي 90 % من العالم كما احتلت بشكل مباشر ما يزيد عن ربع مساحة الكرة الأرضية وبشكل غير مباشر حكمت وسيطرت علي غالبية دول العالم ولم يكن ينازعها في ذلك أحد خاصة بعد سقوط نابليون بونابرت في فرنسا لم يكن أحد قادرا على الوقوف بوجه هيمنتها
إنها بريطانيا العظمي أكبر الإمبراطوريات في تاريخ العالم وقد كانت نتاج عصر الاستكشاف الأوروبي الذي بدأ مع الاكتشافات البحرية العالمية للدول في أواخر القرن الخامس عشر مما أدى إلى تدشين عصر الإمبراطوريات الأوروبية.
في سنة 1913 بسطت الإمبراطورية البريطانية سلطتها على تعداد سكاني يقارب 458 مليون شخص أي حوالي ربع سكان العالم. وغطت تقريبا 33 مليون كيلومتر مربع (14.2 مليون ميل مربع)
بقي التأثير البريطاني قويا في جميع نواحي العالم في الاقتصاد والأنظمة القانونية والحكومية والمجتمع والرياضة (مثل الكريكت وكرة القدم)، وفي اللغة الإنجليزية نفسها، وهذا غيض من فيض. وبسبب اتساع حجمها في أوج قوتها ،قيل أنها ” الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس”
ظلت هي القوة المهيمنة على العالم حتى بدأت مرحلة جديدة بظهور هتلر في ألمانيا ويفلت زمام الأمور من الإنجليز مع موجات من الصراع في أوروبا والعالم وكانت هذه المرحلة هي بداية لغروب شمس الإمبراطورية مع بداية الحرب العالمية الثانية لتصبح مجرد ظل لقوة جديدة
*الحرب العالمية الثانية*
كانت الحرب العالمية الثانية هي كلمة السر في انهيار الإمبراطورية البريطانية رغم انتصارها ويؤكد المحللين إن الحرب العالمية وعواقبها أدت إلى تعزيز انغلاق بريطانيا على نفسها وازدياد شكوكها تجاه أوروبا وهذا ما أدى إلى خوف من القارة أوروبا واعتبروها تهديداً لهم.” وفي الوقت نفسه أصبح واضحاً لسياسيي بريطانيا أنهم لا يستطيعون الاستغناء عن أوروبا لتجنب أزمات محتملة في المستقبل. ولذا أصبحت بريطانيا في السنوات اللاحقة عضواً مشكوكاً فيه بعض الشيء في الاتحاد الأوروبي. ويبدو أنه لم يتغير شيء على هذا الموقف حتى يومنا هذا
قبل مشاركة الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية كانت بريطانيا الدولة الوحيدة المقاومة لألمانيا النازية، وكانت بريطانيا حتى الحرب العالمية الثانية دولة عظمى عالمياً وبعد الحرب بدأت أهمية بريطانيا كدولة عظمى تتراجع.
استقبل مواطنو بريطانيا خبر انتهاء الحرب العالمية الثانية بارتياح عارم. وكانت بريطانيا تعلم أن سيطرتها الامبريالية قد أوشكت على الانتهاء بالرغم من خروجها منتصرة في الحرب، فقد غير بروز النظام الاجتماعي العادل في بريطانيا الوجه العام للمجتمع البريطاني.
أعلن رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل في خطاب بثته الإذاعة من قاعة الحكومة في شارع داونينغ ستريت رقم 10 في العاصمة لندن عن استسلام ألمانيا في الثامن من مايو في عام 1945 وقاد تشرشل بلاده منذ 1940 في حربها مع ألمانيا. لكن خطابه لم يكن حماسياً بسبب استمرار الحرب مع اليابان: “يجب أن لا نسمح لأنفسنا إلا بفرحة قصيرة، ويجب علينا أن نبذل قصارى جهدنا للانتصار على اليابان وحيلها وأطماعها.” لكن الشعب البريطاني انتهز هذه الفرصة للاحتفال، فقد تجمعت جماهير غفيرة في ساحة ترافيلغار في لندن، بينما توجه آخرون إلى قصر بوكينغهام متوقعين ظهور الأسرة الحاكمة. أما تشرشل فقد ظهر على شرفة وزارة الصحة كي يخطب في الناس المتجمعين واستمرت الاحتفالات حتى منتصف الليل.
*النهاية*
كان النصر في الحرب العالمية الثانية فخراً عظيماً للبريطانيين وساعدهم على بلورة هوية قومية متكاملة تتألف من أهالي ويلز والإنكليز والاسكوتلنديين. ولكن لم يمض وقتاً طويلاً حتى اضطروا إلى مواجهة حقيقة أن دور بريطانيا العظمى كقوة إمبراطورية عالمية قد أخذ بالتراجع. ويقول المحللون “كشفت الحرب ضعف الإمبراطورية البريطانية” ” كانت لحظة النصر هي بداية السقوط.” فقد منحت بريطانيا الهند استقلالها بعد سنتين فقط من انتهاء الحرب وبعد عشر سنوات سحبت بريطانيا قواتها من القارة الإفريقية. فقد كانت الحرب بمثابة الطلقة القاتلة للإمبراطورية البريطانية، على الرغم من أن هذا لم يكن واضحاً في ذلك الحين.” إن الدور البريطاني كقوة عظمى على الساحة العالمية بدأ ينحسر تدريجياً مع تنامي قوة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وبداية الحرب الباردة.
*حقيقة النصر*
“آمن الكثير من الناس بفكرة “الحرب الجيدة”” هذا ما قاله أستاذ التاريخ ريشارد أوفيري في جامعة أكسيتر والذي ألف كتاب: “لماذا ربح الحلفاء الحرب العالمية الثانية”. وبالإضافة إلى حقيقة أن النصر في الحرب خفف الإحساس بالخسائر لكنه ساعد على التفكير بأوقات السلام، ويضيف المؤرخ قائلاً: “هيمن النصر على ذكريات الحرب الأليمة”، “ولكن باستثناء وحيد وهو انه لم يكن هناك تحليل ذاتي للدور البريطاني في الحرب عدا التدمير المريع لمدينة دريسدن الألمانية.” يؤكد ذلك البروفسور باول أديسون هو مدير مركز الأبحاث ودراسات الحرب العالمية الثانية في جامعة ادنبره ومؤلف كتاب “الطريق إلى 1945”
*علاقة خاصة*
العلاقة الأمريكية البريطانية التي يشار إليها باسم ” الأنجلوأمريكية ” هي علاقة من نوع خاص فهما حليفين عسكريين مقربين يتمتعان بالعلاقة الخاصة التي بنيت بينهما كحلفاء في زمن الحرب وشركاء في حلف الناتو
ترتبط الدولتان بالتاريخ المشترك والتداخل في الدين ونظام اللغة والنظام القانوني المشترك وروابط القرابة التي تعود إلى مئات السنين، وتشمل سلالات القرابة والأجداد بين الأمريكيين الإنجليز والأمريكيين الاسكتلنديين والأمريكيين الويلزيين والأمريكيين الاسكتلنديين الأيرلنديين والأمريكيين الأيرلنديين والبريطانيين الأمريكيين على التوالي. تعيش أعداد كبيرة من المغتربين في كلا البلدين في وقتنا الحالي
*جذور عميقة*
عززت الولايات المتحدة وبريطانيا هذه الروابط ذات الجذور العميقة خلال الحرب العالمية الثانية في ما يعرف باسم «العلاقة الخاصة» خلال أوقات الحرب والتمرد والسلام والغربة وبالإضافة إلى علاقة الصداقة والتحالف التي تجمع بينهما. وصف المؤرخ بول جونسون هذه العلاقة اعتمادًا على المنظور بعيد المدى بأنها «حجر الزاوية للنظام العالمي الحديث والديمقراطي»
أكدت بريطانيا في أوائل القرن العشرين علاقتها مع الولايات المتحدة باعتبارها «أهم شراكة ثنائية» في السياسة الخارجية البريطانية الحالية، وأكدت السياسة الخارجية الأمريكية أيضًا علاقتها مع بريطانيا باعتبارها أهم علاقة لها، وذلك كما اتضح في الشؤون السياسية المتحالفة والتعاون المتبادل في ميادين التجارة والتبادل التجاري والشؤون المالية والتكنولوجيا والأكاديميين وكذلك الفنون والعلوم ومشاركة
فيما كانت شمس الإمبراطورية البريطانية تذوي أصبح بادياً أن علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة وفرت لها الفرصة للاحتفاظ بحجم على الساحة الدولية يفوق حجمها الحقيقي. فمن وجهة النظر الأمريكية تمثل بريطانيا رجل الدولة العجوز الذي تحتاجه ليصادق بتوقيعه على سياساتها الخارجية كما تمثل بريطانيا أيضاً جسراً دبلوماسياً بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إضافة لكونها شريك أيديولوجي قوي للأمريكان داخل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلنطي
*الظل الأمريكي*
فلا ينسى احد موقف بريطانيا الداعم للولايات المتحدة الأمريكية حين قرر بوش الابن غزو العراق وكيف تحمست بريطانيا للغزو وروجت كذبا لامتلاك العراقيين لسلاح دمار شامل قبل أن يتم الاعتراف بالكذبة وكيف حتى صارت بريطانيا خلف أمريكا بغزو أفغانستان وكيف لبت طلب الأمريكيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي حين قررت واشنطن تحجيم أوروبا بعد أن طمح الاتحاد لمزاحمتها فكانت لندن أول القافلين من سفينة حتى أنها أي بريطانيا دخلت حلف أمريكا الجديد المعروف باسم ” اوكوس ” والذي أسسته واشنطن لضرب الصين وكان موقف لندن من الحرب الروسية الأوكرانية فقد اندفعوا مع أمريكا لقتال الروس حتى آخر جندي أوكراني بتمويلهم ودعمهم حتى من دون تفكير ومؤخرا كانت بريطانيا والولايات المتحدة معا هما الداعم الأول والرئيسي لإسرائيل في حربها علي قطاع غزة وكذلك التحالف الدولي لضرب الحوثيين في اليمن فبريطانيا التي صنعت أمريكا ذات يوم هي اليوم تسير خلفها كظلها بعد أن كانت يوما ما إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى