في قلب مخيم زمزم بالقرب من الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور بالسودان، عانت مريم عبد الله، إحدى النازحين من المنطقة، من هول رؤية ابنها الرضيع يموت جوعاً. لقد شهدت أسرتها، التي عجزت عن توفير الغذاء والدواء، وفاته المأساوية.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أخبرت مريم صحيفة سودان تربيون، وهي جزء من منتدى الإعلام السوداني*، عن حزنها على فقدان ابنها بابكر خاطر البالغ من العمر ثلاث سنوات، بعد مرض طويل بسبب سوء التغذية.
وقالت “لقد شاهدته يموت بين ذراعي لأننا لم نكن قادرين على توفير العلاج والطعام له”.
وتعكس مأساتها معاناة مئات الآلاف من الأشخاص المحاصرين بسبب القصف والقتال في الفاشر والمخيمات المحيطة بها. وتُتهم أطراف النزاع بعرقلة إيصال الإغاثة، مما تسبب في نقص حاد في السلع الأساسية وارتفاع حاد في أسعار ما هو متاح منها. وهذه الأسعار تفوق بكثير ما يستطيع النازحون تحمله، خاصة مع ندرة فرص العمل، حتى في الأسواق والزراعة.
في السابق، عملت مريم في الأسواق لتوفير وجبة واحدة يوميًا لأطفالها، لكن القتال المستمر أجبر الأسواق على الإغلاق، مما تركها دون دخل لشراء الطعام.
وقالت “كان طفلي صغيرا جدا بحيث لا يستطيع أن يتحمل الجوع فمات. كما توفي العديد من أطفال جيراني، وقال الأطباء إن سوء التغذية والإسهال الشديد هما السببان في هذه المأساة”.
“ليس لدينا ذرة طعام أو أي شيء آخر… المخيم محاصر من قبل ميليشيا قوات الدعم السريع، ومنظمات الإغاثة توقفت عن تزويدنا بالطعام، ولكن يجب إنقاذ الأطفال المتبقين لمنع المزيد من الوفيات”.
رغم فقدانها طفلها بسبب الجوع، تطالب مريم بتوفير الغذاء والدواء بشكل عاجل لإنقاذ أطفال مخيم زمزم من المجاعة المنتشرة.
في الأول من أغسطس/آب، أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة المجاعة في مخيم زمزم الذي يأوي نصف مليون نازح، لكن السلطات السودانية نفت المجاعة، وعزت نقص الغذاء في مخيمات النازحين إلى حصار ميليشيا قوات الدعم السريع لمدينة الفاشر.
يقع مخيم زمزم على بعد حوالي 11 كيلومترًا جنوب الفاشر، وينقسم إلى أربعة أقسام: أ، ب، ج، د. القسم الأكبر أ هو موطن للنازحين الذين فروا من ديارهم في عام 2004 أثناء ذروة حرب دارفور ضد النظام السابق.
"البقاء على قيد الحياة على العشب"
ووصفت النازحة علوية أبكر الوضع في مخيم زمزم بالمأساوي، مشيرة إلى ندرة الغذاء وارتفاع الأسعار وانعدام الأمن الغذائي.
وأوضحت أن النازحين كانوا يعتمدون في السابق على الحصص الغذائية التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، لكن ذلك توقف مع بدء الحرب.
ويخشى علوي من انتشار المجاعة قريبا في مختلف أنحاء شمال دارفور، مع عدم توفر الدخن والذرة الرفيعة، وندرة الوظائف وتعطل سبل العيش.
وأشارت إلى أن الأسعار ارتفعت بشكل كبير وأن السلع الأساسية أصبحت نادرة، مما أجبر الكثيرين، بما في ذلك أسرتها، على الاعتماد على الميديا، وهي عصيدة مصنوعة من الذرة الرفيعة أو الدخن الممزوجة بالماء والملح، وأحيانا السكر.
وأشارت علوية إلى أن نقص الغذاء أجبرهم على تناول الأعشاب التي تنمو بفعل الأمطار مثل الملوخية، رغم تحذيرات الأطباء من أن الاعتماد على مصدر غذائي واحد غير صحي يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
ويبلغ سعر كيلو اللحم في مخيم زمزم الآن عشرة آلاف جنيه سوداني، وهو مبلغ لا يستطيع معظم سكان المخيمات تحمله، كما تعاني المخيمات من نقص حاد في الأدوية، مما أدى إلى تفاقم انتشار الأمراض الوبائية مثل الملاريا والإسهال المائي.
وأفادت علوية أن معدل الوفيات بين الأطفال بسبب سوء التغذية في مخيم زمزم يتراوح بين 3 إلى 4 حالات يوميا.
وتحمل نور الهدى حامد، الناشطة الحقوقية بمخيم زمزم، مليشيا الدعم السريع مسؤولية تدهور الأوضاع.
وقالت إن حصار مليشيا قوات الدعم السريع للفاشر يتسبب في مجاعة في زمزم ومناطق أخرى، كما أدى فرض القيود على الغذاء والدواء إلى انتشار الأمراض بما في ذلك الملاريا والالتهابات والحمى، فضلاً عن التهابات العيون.
ووصفت آلاف النساء يكافحن للحصول على العلاج خارج المركز الصحي الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود، مشيرة إلى أن المنظمة الدولية تقدم التغذية العلاجية للأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل.
وأشارت إلى تزايد حالات سوء التغذية بين الأطفال، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال والنساء الحوامل.
وإضافة إلى نقص الغذاء والدواء، يعاني سكان معسكر زمزم أيضا من انعدام الأمن على أطراف المعسكر بسبب التواجد الكبير للمليشيات القبلية المتحالفة مع قوات الدعم السريع في صراعها مع الجيش والحركات المسلحة في الفاشر.
"في كثير من الأحيان تتعرض الفتيات اللاتي يغادرن المخيم للاغتصاب من قبل قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها.
وقد وقعت العديد من عمليات القتل والاغتصاب للنساء على يد قوات الدعم السريع وحلفائها."
دعت الأمم المتحدة إلى التحرك الفوري لوقف هجمات الميليشيات على قوات الدعم السريع في الفاشر وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية لمواجهة المجاعة خاصة في مخيم زمزم.
المياه الملوثة
ويعيش النازحون في مخيم زمزم في أكواخ مبنية من الطوب الطري ومواد محلية مثل القش، وهي لا تستطيع الصمود في وجه الرياح القوية والأمطار الغزيرة التي تضرب المنطقة حالياً.
ويبقى آخرون في مدارس مكتظة مع فرار المزيد من الأسر واستمرارها في الفرار من الفاشر.
وقال الناشط بمخيم زمزم آدم موسى إن المخيم استقبل نازحين من نيالا والضعين والجنينة وزالنجي والخرطوم والأبيض والجزيرة بعضهم يقيمون مع أسر في أكواخ فيما استقر آخرون في 14 مدرسة.
وأضاف أن الوضع المعيشي أصبح أكثر صعوبة منذ اندلاع الحرب وتفاقم منذ بدأت مليشيا الدعم السريع حصارها للفاشر في أبريل/نيسان الماضي، وعلقت المنظمات الإنسانية عملياتها، الأمر الذي ترك النازحين بلا طعام أو علاج أو مأوى.
وأشار موسى إلى أن النازحين توقفوا عن الزراعة قبل اندلاع الصراع بسبب استيلاء الجنجويد على أراضيهم، والآن يموت الأطفال وكبار السن من الجوع.
واشتكى من نقص مياه الشرب، حيث جفت 80 بالمائة من آبار المخيم، ما أجبر ما لا يقل عن ثلث السكان على الاعتماد على المياه التي يجلبها الباعة من الفاشر، حيث وصل سعر البرميل الآن إلى 6 آلاف جنيه سوداني بسبب ارتفاع أسعار الوقود.
وبحسب موسى فإن النازحين يلجأون إلى شرب مياه الأمطار والبرك والمستنقعات، رغم خطر الإصابة بالإسهال بسبب تلوث المياه.
ويشكل الصراع المستمر والحصار المفروض على مدينة الفاشر أزمة وجودية لعشرات الآلاف من النازحين الأكثر ضعفاً، الذين يخشون أن يموتوا من الجوع واحداً تلو الآخر.
مليشيا الدعم السريع تقتل 25 شخصا في معسكر للنازحين بشمال دارفور وقصف مستشفى
وفي سياق متصل، قال مسؤولون سودانيون إن 25 شخصا على الأقل قتلوا وأصيب العشرات عندما سقطت قذائف على مخيم للنازحين في ولاية شمال دارفور بالسودان، الاثنين، في أحدث هجوم في منطقة تصاعد فيها العنف منذ أبريل/نيسان الماضي.
وتخوض ميليشيا الدعم السريع معارك ضد الجيش السوداني في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، منذ منتصف مايو/أيار الماضي، عقب اندلاع صراع على مستوى البلاد بين الجانبين.
واتهمت الجماعة شبه العسكرية باستهداف المدنيين والنهب في الفاشر، حيث حاصرت مئات الآلاف من الأشخاص.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة إبراهيم خاطر إن 25 شخصا قتلوا وأصيب 40 آخرون في قصف مخيم أبو شوك الذي يأوي نحو 400 ألف نازح.
وقالت لجنة مقاومة محلية إن حصيلة القتلى تجاوزت 20 شخصا، فيما أصيب 32 آخرون.
وقال شهود عيان إن قوات الدعم السريع قصفت أيضا مناطق سكنية ومستشفى للشرطة ما أجبره على الإغلاق.
ولم يتسن على الفور الوصول لقوات الدعم السريع للتعليق.
وأعاد الصراع في دارفور إلى الأذهان ذكريات الحرب الأهلية الوحشية التي اندلعت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي أدت إلى إنشاء قوات الدعم السريع من قبل حكومة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير.
ومن المرجح أن يثير هجوم أبو شوك المزيد من المخاوف بشأن الوضع الإنساني في الفاشر، حيث حذرت منظمات الإغاثة من نقص الغذاء والدواء.
لمطالعة المزيد: موقع السفير وللتواصل تابعنا علي فيسبوك الدبلوماسي اليوم و يوتيوب الدبلوماسي اليوم.