ثقافة وفنون

المرأة في مسرحية بيت الدمية لهنريك إبسن

«بيت الدمية»، هي مسرحية للكاتب النرويجي «هنريك إبسن» الذي عاش في العصر الفكتوري؛ أي في القرن التاسع عشر، وقد كتب هذه المسرحية في عام 1879م، وأراد بها الكاتب أن يهاجم القيود الاجتماعية الخانقة المفروضة على المرأة في ذلك العصر.

وقد انطلق إبسن في مسرحيته التي أحدثت ثورة في الحياة الاجتماعية في ذلك العصر من سيطرة المجتمع الذكوري على القرارات المصيرية للمرأة، فبيت الدمية والاسم كذلك مثير للاهتمام، حيث البيئة المكانية أو الإطار المكاني للمسرحية هو البيت، فرغم القدسية التي يضفيها إبسن على البيت، ودوره في التنشئة للأطفال، إلا أنه يتعامل مع من يحتويهم هذا البيت كدمى، تستمتع بجمالها ورونقها، وتحملها من مكان إلى آخر دون أن يكون لها أي رأي في مصيرها، تضمها إلى صدرك متى شئت، تلعب بها أو معها متى شئت.

أما عن المرأة في مسرحية بيت الدمية، فقد عالج الكاتب هذه القضية من جوانب عديدة منها الجانب الاجتماعي: فقد عانت المرأة في العصر الفكتوري من ظروف اجتماعية كثيرة منها تسلط الرجل على المرأة، وحرمانها من أبسط الحقوق، وعدم تمتعها بالحرية في التصرف بشؤون بيتها، أو مع أبنائها، وكذلك عدم ائتمانها على أطفال البيت، وذلك بدواعي عدم الخبرة في شؤون الحياة، ونقصان الأهلية.

فقد تناول هنريك إبسن الشخصيات النسائية في مسرحيته بنوع من الضعف، ونضرب أمثلة على ذلك في الصفحة (17) من ترجمة سمير عزت نصّار، في قول «نورا: كريستينا المسكينة، أنت أرملة الآن. السيدة ليند: نعم، منذ ثلاث سنوات. نورا: نعم، أنا أعرف، رأيت هذا في الصحف. أوه يا كريستينا ، لقد ظللت أفكر في الكتابة إليك، صدقا فكرت في هذا، لكن أمرا كان دائما يظهر فجأة، فكنت أؤجل الكتابة»، وعندما نقرأ هذه الشخصية نجدها امرأة لم ينصفها المجتمع، فاضطرت للزواج من رجل لا تحبه من أجل أسرتها فأمها مريضة وأخواها يتيمان، كما أنه عندما مات زوج ليند لم يترك لها أي شيء وقد عانت كثيرا لإيجاد فرصة عمل؛ لأن المجتمع لا يعترف بدور المرأة في ذلك العصر كعضو فعّال فيه، ويرجع ذلك إلى نهج السيطرة تجاه المرأة.

أما الشخصية الرئيسة التي تقوم عليها المسرحية من بدايتها إلى نهايتها فهي شخصية نورا التي صورها إبسن بالشخصية الضعيفة، الخائفة، المضطربة، القلقة من المستقبل، ونجد ذلك من خلال لغة المسرحية في صفحة (28) عندما قالت السيدة ليند: «ولم تخبري زوجك أبدا؟ نورا: «يا للسماوات، لا كيف يمكنني ذلك؟ وهو متزمت جدا حيال ذلك النوع من الأمور»، وقد تحكم زوجها هيلمر بكل شؤون حياتها، حيث تحكم بالمال والإنفاق، ولا تقدر حتى عندما مرض زوجها وأرادت علاجه في الجنوب، ووجدت أن المال الذي تنفقه في سبيل ذلك طائل، فأرادت الاقتراض، ولكنه يجب عليها أن تجد كفيلا، ولا بد من توقيع صك الدين من والدها، ولكنها في سبيل الحب والتضحية قامت بكتابة اسم والدها، وزورت توقيعه، فوقعت في خطأ فادح، حيث أرَّخت الصك بتاريخ بعد وفاة والدها بأيام، والدليل من المسرحية في الصفحة ٤٨ عندما قال «كروجستاد: مات أبوك في التاسع والعشرين من سبتمبر، ولكن أنظري إلى هذا -أرّخ أبوك توقيعه في الثاني من أكتوبر، أليس ذلك أمرا غريبا يا سيدة هيلمر؟ هل تستطيعين تفسير هذا؟ من الغريب أيضا أن كلمات الثاني من أكتوبر والسنة ليست بخط أبيك، لكن بخط أنثى أظنني أعرفه».

ورغم كل هذه التضحية التي بذلتها في سبيل علاج زوجها، إلا أنه لم يشفع لها هذا التصرف بدون إذنه، ونجد ذلك في نهاية المسرحية عندما وصفها بأقذع الصفات عندما نادى هيلمر نورا في صفحة (119) قائلا: «نورا! وترد نورا: بصرخة عالية: آه..! هيلمر: ما كل هذا؟ هل تعرفين ما في هذه الرسالة؟ نورا: نعم، أعرف. دعني أذهب – دعني أخرج. هيلمر وهو يمسك بيدها ويمنعها من الخروج: أين تذهبين؟ نورا وهي تقاوم لتفلت نفسها: لن تنقذني يا تورفولد! هيلمر مرتدا إلى الخلف: هذا صحيح! إذن ما تقوله الرسالة هنا صحيح؟ كم هذا رهيب! لا، لا، هذا ليس ممكنا، لا يمكن أن يكون صحيحا».. ثم يقول: «لقد حطمت سعادتي تماما، لقد حطمتِ كل مستقبلي!» ويدل ضمير المتكلم في هذا السياق على الأنانية، والذاتية، ويوظف كل ما حوله ليدور حول فلكه، وما يوفر له سعادته الذاتية، ثم يطلب منها أن ترجع كل شيء أعطاها إياه قائلا: «اخلعي ذلك الشال-اخلعيه- أقول لك»، ثم ينزع عنها الأهلية في تربية الأبناء؛ لأنه في اعتقاده لا يأتمنها على أولاده قائلا: «ستبقين في بيتي، لكنني لن أدعك تربين الأطفال، لن أجرؤ على أن أأتمنك عليهم».

ومن خلال ديناميكية الحوار بين الشخصيات الأنثوية والذكورية في المسرحية تجد نغمة انعدام الحرية لدى المرأة، فهي لا تقدر أن تتصرف في الشؤون المالية للبيت دون أخذ الإذن من زوجها الذي ينظر إليها كأحد أملاكه ونجد ذلك في الصفحة (119) «يمسكها ويمنعها من الخروج» وفي صفحة (120) في قول نورا: «دعني أذهب، لن تتحمل اللوم، لن أدعك تعاني من أجلي».

ونجد أن إبسن في مسرحيته يتطرق إلى مفهوم الطبقية في المجتمع النرويجي بخاصة، وفي أوروبا بشكل عام، حيث نجد في أحداث المسرحية أن المرأة تقع في أدنى السلم الاجتماعي، فهي لا تملك أي حق من الحقوق المتعارف عليها في الحضارات الإنسانية الحديثة، لا حق التملك، ولا حق العمل، ولا حق التصرف… ونجد الرجل لديه الحق في كل شيء داخل البيت وخارجه.

وفي الأخير لا بد من ثورة على هذا التزمت، والظلم. ثورة المرأة ضد المجتمع الذكوري الذي عانت منه في أوروبا في تلك العصور المظلمة، ويمثل ذلك في مسرحية بيت الدمية لهنريك إبسن خروج نورا من البيت في نهاية المسرحية، وصفقها للباب. وقد استطاعت هذه المسرحية أن تحدث تغييرا كبيرا في نظرة المجتمع الأوروبي إلى المرأة.

للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى