ثقافة وفنون

أحمد بن سعود السيابي : أسطورية شخصية «مالك بن فهم» من المزايدات.. لكن هناك مبالغة فيما نسب إليه

استمع

محاولات السيطرة على عمان موجودة ولكن لا يوجد «تسلّط» إلا بتواطؤ من الداخل –

لدولة اليعاربة الفضل في توحيد التراب العماني وطرد المستعمرين –

القرائن لا تجعلك تعتقد أن «قلهات» البحرية هي المقرّ الذي اتخذه مالك بن فهم لحكمه –

مازن بن غضوبة «الأشهر» أنه أول من أسلم من أهل عمان وقد يكون أحد قبله!

حرية الرأي يجب أن تراعي المجتمع وأمنه واقتصاده ولا تقارن بمجتمع آخر –

فرض الرأي ومهاجمة الآخرين لعدم قبوله غير مستساغ –

كيف للمرء أن يكتب عن شخصية كشخصية سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي الأمين العام بمكتب المفتي العام للسلطنة؟ كيف يمكن لمساحة حوار صحفي محدودة أن تعطي لمثله حقها، وأن تستفيد منها حق الاستفادة، وأن توليها وتوفيها نصيبها من الاهتمام؟.. إنها المرة الأولى التي أتشرف فيها بمجالسته، وقد عرفته – دون أن أحظى بهذا الامتياز (اللقاء المباشر) كما عرفه آخرون مفكرا في مقاربته.. معتدلا في خطابه، وموسوعة علمية شاملة وتاريخية تسرد ذاكرته مجد عمان وحضارتها بأمكنتها ورموزها.. هو كما عرفته آسرا في محياه ووقاره وحديثه..

لسعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي الكثير من الإصدارات في شتى صنوف العلم والثقافة وله حضوره الإعلامي البارز في حواراته ومقابلاته التلفزيونية والإذاعية والصحفية وله من الدروس والمحاضرات ما تعجز المساحة عن تضمينه..

في مساحتنا الحوارية هذه يسلّط شيخنا «السيابي» الضوء حول ملامح من تاريخ عمان وبعض القضايا الجدلية إضافة إلى بعض الآراء في بعض الموضوعات التي حضرت في لقائنا الثري الآتي..

كيف ترى تطور معايير المنهج التاريخي في الوقت الذي يشهد إشكالية عند المتلقي في انتقاء المعلومة الصحيحة رغم القرينة.. والتحليل والتعليل والوصول إلى الخلاصة، ويبقى في ذهنه تساؤل: ما الذي يثبت صحة تلك القرينة وذلك التحليل والتعليل؟ خاصة أن كل باحث يسرد تلك التفاصيل من منظوره وزاويته؟

عالم التاريخ لا بد له من تحليل المعلومة؛ ففي السابق كان المؤلفون يؤلفون التاريخ بجلب الأقوال المتناقضة، حينما تقرأ المطولات التاريخية تجد الأقوال المتناقضة بسرد قصص برواية ونفسها برواية أخرى.. لكن الآن تطور مفهوم علم التاريخ إلى أن هناك تحليلًا لماذا حدث هذا الشيء وكيف حدث وتعليلًا لماذا حدث، والقرينة هي من تصحح وهذا الأهم..

سأضرب لك مثالا حول قضية السلطان سليمان بن سليمان النبهاني وحكايته المشهورة.. فعند تحليل القرينة تجد أنه رجل، سلطان خاض حروبا فهل يمكن أن يخرج مفردا يطارد امرأة؟ كما أن تلك المرأة كما يقال إنها من منطقة «العقر» والنساء في الأصل لا يخرجن مسافات طويلة ووحدهن، وحتى إلى عصر قريب عندما تستقي النساء من الأفلاج يخرجن في جماعات.. وهناك عدة قرائن تجعل القصة غير صحيحة منها أن السلطان سليمان النبهاني له مرحلتان؛ كانت الأولى قبل الإطاحة به وكان فيها اللهو والمرح.. وأخرى بعد عودته وأخذه الإمامة، فكانت الاستقامة وفي هذه المرحلة زاره عالم إباضي تونسي من جزيرة جربة فاهتم به السلطان سليمان بن سليمان وجعله ينزل مع العلماء وحمّله العلماء رسالة إلى إخوانهم في جربة بتونس وذكروا فيها أنه «عالم في أصول الدين.. وأنه يهتم بالعلماء» وهذه الرسالة محتفظ بها في جربة ونشرها الشيخ العلامة المؤرخ سالم بن محمد بن يعقوب في كتاب «جربة ومدارسها العلمية» وهي مثبتة وتم نشرها في كتابي «التواصل الإباضي بين عمان والبلاد المغاربية» وهذه الرسالة تتناقض مع ما جاء عنه.. علمًا أنها جاءت في المرحلة الثانية من حياة السلطان، وهي بعد عودته إلى الحكم وحتى قصائده فيها مواعظ وحكم وتوّجها بتوبته بقصيدته المخمسة في التوبة، المعروفة، وهذه القرائن تثبت أن تلك المعلومات غير صحيحة وتنفي تلك القصة، إذن القرائن الاجتماعية والتاريخية والفكرية هي ما توضح الحدث التاريخي هل هو صحيح أو غير صحيح وعلى المتتبع والمهتم التركيز في ذلك.

توجد الكثير من القضايا المثيرة للجدل في التاريخ العماني التي نود مناقشتها معك بحكم اهتمامك بهذا الجانب، ونبدأ بقضية مالك بن فهم الذي يدّعي البعض أنه شخصية أسطورية لا أساس لها؟

هذه من المزايدات.. فكيف تكون أسطورية وهي تنتسب إليها قبائل في عمان وهناك قصائد لابن دريد في قضية الحروب في عمان ذكر فيها أبناء مالك بن فهم، ومالك تنتسب إليه قبائل موجودة في عمان وهي قبائل حية وكبيرة. ولا يمكن القول إنها شخصية أسطورية. نعم هنالك بعض الأحداث التي نسبت إليه بها الكثير من المبالغات وهذا صحيح، وقد تحدث المبالغات في نسبة الأشياء إلى أصحابها من أقوال وأفعال، لكن يبقى أصل القصة صحيح.. وهذا الأمر طبيعي فما دام أن هناك قصة مفصلة فقد تحدث المبالغات فيها حسب قراءاتي واستقرائي.

وماذا عن مدينة «قلهات» هل هي المدينة الساحلية التي اتخذها مالك بن فهم مقرًا لحكمه وبالتالي اعتبارها عاصمة لعمان في التاريخ العربي القديم أم أنها «قلهات» القرية في داخل عمان كما تراها؟

هنا تأكيد على دور «القرينة» دعنا نتحدث في سياقها، يقول مالك بن فهم في إحدى قصائده عندما حنّت إبله إلى مراعيها في اليمن:

تحنّ إلى أوطانها إبل مالك

ومن دون ما تهوى الفرات المقارف

إذن مالك بن فهم أتى ومعه المئات إن لم تكن الآلاف من الإبل ومعه 6 آلاف شخص من الاتباع.. فهل قلهات هي محطة إبل؟ كما أن الإبل لا تتماشى مع المناطق الجبلية، وقلهات «الساحلية» محاطة بجبال عالية، وأيضا، أين دارت المعركة بينه وبين الفرس؟ قالوا في سلوت، فهل من المعقول أن مالك بن فهم يتحرك من قلهات البحرية ويذهب لقتال الفرس في سلوت (عند جبرين الآن) والتي هي في وادي قريات عند بسيا في الجهة الغربية الجنوبية من بهلا.. فخط سيره لا يمكن أن يكون هكذا! فالخط عن طريق حضرموت الربع الخالي إلى عمان الداخل.. ثم لماذا يحفر فلجا في منح يسمى فلج «مالك»؟ وأنا أتوقع في تحليلي حتى فلج إزكي الكبير «الملكي» لعله منسوب إليه باختصار الاسم.. لأنه اتخذ إزكي مقرًا لحكمه وسكنه.. كل تلك القرائن لا تجعلك تعتقد أنها قلهات البحرية.

* من القضايا الأخرى حكاية مازن بن غضوبة مع الصنم: فكيف تفسّر ما جاءت به بعض المصادر العمانية من أن مازن سمع صوتا من الصنم يبشره ببعث نبي جديد؟ فكيف يتفق ذلك مع المنطق؟

لا يمكن أن يتفق -لا شك- أنا أتوقع أن مازن بن غضوبة رجل ديني لأنه كان يسدن الصنم والسادن دائما رجل الدين، والوثنية ديانة وضعية وهو كان وثنيا، فكان عنده صنم اسمه «باجر» وهو يسدنه، وعندما أتى التاجر الحجازي وأخبرهم عن ظهور النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، أتوقع أن مازن تاقت نفسه لرؤية النبي عليه السلام ولعله رآه في المنام، فكلما دار الحديث عند شخص قبل النوم تجد أنه يتجسّد في نوم الإنسان خاصة إذا كان راغبا في ذلك الأمر أو الحدث أو الخبر، وأتوقع أنه تجلى له ذلك الشيء وهو في المنام ورواه كرؤيا منام.. فلماذا من صنم؟ والإسلام جاء لتحطيم الأصنام أساسا، فأول ما حاربه هو الشرك، والشرك قائم على عبادة الأصنام، فمن غير الممكن بالمطلق تصديق هذه الرواية.

في سياق متصل بالسؤال السابق… هل مازن بن غضوبة هو أول من أسلم من أهل عمان؟

قد يكون هناك من هو قبله لكنه اشتهر؛ لأنه زعيم في قومه فهو زعيم في قبائل «طي» والصنم الذي يسدنه كما يقول ابن دريد اسمه «باجر» وليس «ناجر» كما تناولته المصادر العمانية، وابن دريد في كتاب «الاشتقاق» يقول: «تعبده قبائل طي وقبائل الأزد».. إذن هو اشتهر لمكانته الاجتماعية وأخذ يدعو إلى الإسلام وقصته سُجِلت وما قاله من أبيات شعرية تسجيلًا لقصة ذهابه إلى المدينة ولقائه النبي صلى الله عليه وسلم سجلت شعرًا ورواية فصار هو الأشهر.. قد يكون أحد قبله ذهب إلى النبي، صلى الله عليه وسلم وأسلم.. لكنه لم يدّون، فالذي أمامنا الآن أنه هو أول من أسلم من أهل عمان.

وما قولك فيمن يرى أن مازن بن غضوبة استشهد في بردعة بأذربيجان، وبالتالي فإن القبر الموجود حاليا في سمائل هو ليس بقبره؟!

أولا مازن بن غضوبة يبدو أنه عندما توفي النبي، صلى الله عليه وسلم، قد دخل في الكبر بعد أن جاء وأسلم وعلّم الناس وبنى المسجد وغير ذلك واستقر، ولم يكن له دور حتى في الوفد الذي رافق عمرو بن العاص إلى المدينة عندما بلغتهم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى فمعركة بردعة سنة 25هـ فلا أتوقع أن مازن بن غضوبة يذهب للجهاد إلى بردعة وهي في أذربيجان.

الحديث عن فكرة قبر مازن بن غضوبة في بردعة أثاره المؤرخ أبو نعيم الأصبهاني وهو غير عماني فتختلط عليه الأنساب، كما نحن الآن نذكر الأسماء من بلدان أخرى فتختلط علينا الأسماء..، وقد ذهب أحد الإخوة إلى بردعة بأذربيجان وهي تبعد 3 ساعات من باكو العاصمة وذهب إلى الجامعة مع الأكاديميين وسألهم عن قبر مازن وقالوا لا يوجد قبر صحابي على الإطلاق ولم نسمع بهذا الاسم، ولو قبر صحابي في تلك الأماكن لبُني عليه البنيان لمكانته العظيمة في قلوب المسلمين، وكل المؤرخين والعلماء الذين التقاهم هذا الشخص أكدوا ذلك.. لذلك لا نترك الرواية العمانية التي تنقل من جيل إلى جيل ونذهب إلى قول شخص قاله في القرن الخامس الهجري وهو أول من قال إن مازن بن غضوبة ذهب في عهد الخليفة عثمان بن عفان إلى بردعة وقتل هناك فهو شخص تحدث في ذلك القرن وهو بعيد عن عمان.. واشتبهت عليه الأسماء، ولكن إن كان هناك شيء، إذا كان عماني قتل، فلعله خادمه صالح بن المتوكل الذي أعتقه مازن ولعله بقي في المدينة وذهب إلى تلك الحملة ولأنه -مولاه- ربما سمي باسم مازن بن غضوبة.. أقول ربما!! لكن مازن بن غضوبة لم يذهب إلى هناك فالرواية في سمائل والعمانيون والمصادر تناقلوها جيلًا عن جيل وحتى قبره معروف.. وأن تأتينا رواية من وراء الجبال عن عمان ونصدقها ونترك الرواية العمانية الشعبية والشفهية والمكتوبة فهذا أمر صعب!

أيضا يرد في قصة إسلام مازن بن غضوبة أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، دعا لأهل عمان بالكثير من الأدعية منها ألا يسلّط الله عليهم عدوا من غيرهم، ورغم ذلك فإن عمان تعرضت للكثير من الحملات والأخطار الخارجية للسيطرة عليها، فما تعليقكم على هذا الأمر؟

محاولات السيطرة موجودة ولكن لا يوجد «تسلّط» إلا إذا كانت الخيانة من الداخل مثلًا.. فلو تلاحظ الغزو من الخارج يرجع عن عمان لكن إذا كان هناك تواطؤ من الداخل فهنا يحدث الأمر، ولو قارنّا عمان بالكثير من البلدان فعلًا لم يسلّط الله عليهم عدوا من غيرهم.. أما عدو من أنفسهم سواء كان مباشر العداوة أو متواطئا مع الغزاة فهذا شيء آخر.

يلاحظ عدم وجود رأي موحد لموضوع تقسيم الدول التي حكمت عمان، خاصة بالنسبة لعصر الإمامة، فالبعض يصنّف عصر الإمامة بأنه خمس دول والبعض الآخر يتجاوز ذلك، فما رأيكم؟ وكيف نحتكم إلى آلية تقسيم الدول التي حكمت عمان؟

أنا أرى أن التقسيم أمر فني وحينما كتبت كتاب «الوسيط في التاريخ العماني» رأيت أن أعتمد هذا التقسيم للتقريب وللتوضيح للقارئ فهو مثل المجموعات فاعتبرنا مثلًا ما قبل الإسلام دولة مالك بن فهم أولًا ثم دولة الجلندى ثانيًا ثم دولة الإمامة الأولى ثم الثانية.. ثم دولة النباهنة والإمامات الأخرى التي جاءت بينهن، ثم دولة اليعاربة ثم دولة البوسعيد وهذه التقسيمات أو الوحدات في تقسيم الدولة العمانية عبر التاريخ هي قائمة على وحدة أسرية أو قبلية أو فكرية.

هل يمكن القول إن عصر النباهة في عمان الذي امتد إلى 500 سنة من الدول التي حكمت عمان حاله حال دولة اليعاربة ودولة البوسعيد؟

طبعا لا.. عمان بعد الانتهاء من الإمامة الثانية سنة 280هـ كان آخر إمام فيها الإمام عزان بن تميم الخروصي وسقطت على أيدي محمد بن ثور لم تتوحد جغرافية عمان الكبرى الممتدة من سقطرى إلى اليمامة «الرياض الآن» ولم تتوحد إلا بتوحد جزء كبير منها في عهد اليعاربة.. فـلمدة 8 قرون كانت عمان مفككة من سقوط الإمامة الثانية إلى قيام دولة اليعاربة 1034 هجرية، وأحيانا تقوى الدولة، وإن قويت فهي في حيز جغرافي محدود.. فدولة النباهنة في عهدهم لم تكن هنالك سيطرة كاملة على عمان بعض فتراتها وليس كلها.. أما دولة اليعاربة فلها الفضل في أنها وحّدت التراب العماني بعد طرد البرتغاليين، فناصر بن مرشد أول ما فعله هو توحيد العمانيين ولم يذهب لمحاربة الاستعمار.. وحّد الجبهة الداخلية لأنها كانت متشتتة إلى إمارات صغيرة تجد كل ولاية إمارة؛ ومتوزعة وتتحارب فيما بينها، وتوحيدها من ناصر بن مرشد أخذ وقتًا طويلًا وحينما حقق تلك الوحدة دفع بهم إلى حرب المستعمرين «البرتغاليين» فتوحدت عمان هنا.. ثم دولة البوسعيد واستمر هذا التوحيد.. فأما دولة النباهنة على امتداد تاريخها الطويل أحيانا تقوى وأحيانا تضعف.

هل تم توظيف الوثيقة التاريخية العمانية كما يجب في كتابة التاريخ العماني الحديث؟ وهل يمكن القول إن التاريخ العماني تم الانتهاء من تدوينه؟

طبعًا لا، فنحن إلى الآن نكتشف أشياء كثيرة في التاريخ العماني لأن التاريخ العماني لم يدون في الحقيقة.. كانت هناك إشارات تاريخية تجدها في كتاب الأنساب للعوتبي وهو في القرن الـ5 الهجري ربط بين الأنساب والتاريخ.. ثم لا تجد تاريخا، قيل إنه تم تأليف كتب لكنها فقدت، فالأمام أبو سعيد الكدمي قيل إنه ألّف في تاريخ الإمامين سعيد بن عبدالله وراشد بن وليد اللذين عاصرهما، وله كتاب يسمى التاريخيات وربما فُقِد.. وقيل إن «ابن النظر» هو من ألّف «عقود الجمان في تاريخ عمان» في مجلدين وقد أُتلفت كما تأتي الروايات عنه.. وبعدها لم يكن هناك تأليف في التاريخ إلى آخر عصر دولة اليعاربة، فكان هناك تأليف بسيط مثل الشيخ عبدالله بن خلفان بن قيصر الصحاري ألّف تاريخًا يوميًا لعصر الإمام ناصر بن مرشد، وهو أصبح المصدر الرئيس الآن لعهد الإمام ناصر بن مرشد، بعد ذلك عادت كتب التاريخ في آخر عهد اليعاربة مثل الشيخ سرحان بن عمر الأزكوي في كتابه «كشف الغمة» ثم جاء من بعده ابن عريق العدواني في آخر دولة اليعاربة وبداية دولة البوسعيد فألّف كتاب «تاريخ عمان» ثم ابن رزيق ثم الشيخ السالمي فأصبحت كتبا متأخرة فسقط الكثير من التاريخ وقضاياه وأحداثه ومنها دولة النباهنة التي لا يوجد لها تاريخ، فهل يعقل؟ دولة تحكم -على أقل تقدير- 400 سنة في فترتين أين إنجازاتها التاريخية والحضارية؟ أين سكنها وبيوتها؟ غير معروفة.. غير معقول!، وفي نظري أن التاريخ كتب بأقلام علماء الدين الذين نظروا إلى هؤلاء على أنهم جبابرة ولا ينبغي أن نكتب تاريخهم حتى لا نمجدهم أو كشيء من هذا القبيل، ولكن كما يقول الشيخ «السالمي» فقدنا جزءًا كبيرًا من التاريخ، يكتب الإنسان التاريخ بحلوه ومره لأنك تؤرخ للأمة.. فالنظرة الأيديولوجية هذه صعبة، لذلك التاريخ العماني كتب بأسلوب أيديولوجي ديني منبثق من المساق الإسلامي لذلك فقدنا الكثير من أحداث التاريخ خاصة دولة النباهنة.. فقط أخذنا تاريخهم من الشعر، والشاعر لا يذكر الأحداث التاريخية.. و«الستالي» في عهد الدولة النبهانية الأولى ولم يكن في كل عهدها أيضا بل في بداياتها فقط.. كذلك «الكيذاوي» في عهد النباهنة المتأخرين، ومدح وذكر.. ولكن لم يكن توثيقا تاريخيا.. لذلك الشيخ نور الدين السالمي أخذ هذا التاريخ من شعرائهم!

نود أن نقرأ رأيك في «مسألة الشخصيات ومسقط رأسها» فهناك شخصيات ولدت في بلد ما ولكن بعضها عاش لفترات طويلة وربما بعضها كان طوال عمره في الخارج فهناك تلقى تعليمه وهناك عاش حياته وهناك دفن بعد الموت.. فعلام يُستند في نسب الشخصيات للدول؟

في الحقيقة أنه إذا توفر مكان ميلاده ووفاته فإنه ينسب في رأيي إلى المكانين، وإذا نسب إلى أحدهما فلن يكون خطأ.. لكن دائما ينسب إلى مكان الولادة لأنه يعد مثل الإنتاج في الصناعة، بلد المنشأ.. عندما يولد في مكان يحسب على مكان الولادة، وهناك عمانيون ولدوا في عمان وهاجروا إلى البصرة حيث كانت مركزا علميا كبيرا، وقد نشأت المذاهب الإسلامية أو تبلورت على الأقل في البصرة وهكذا العلماء اللغويون وغيرهم، هكذا الفراهيدي وهكذا ابن دريد وهكذا المبرد.. كانت البصرة معتركا، ورغم أن المبرد في بغداد إلا أنه في المدرسة البغدادية (التي كانت وريثة المدرستين) بين المدرسة البصرية والكوفية وأصبحت هي الوريثة، وابن دريد تربى في البصرة وعاش بقية حياته في بغداد، كذلك المبرد وهو المرجع اللغوي والنحوي في عهده.. فمن وجهة نظري أن الشخص ينسب إلى مكان ولادته.

نتفق أن الحوار مع المخالف ومجابهة الفكر بالفكر وتغذية الحوار بالحجج المنطقية هو ما ينبغي أن يسود.. لكن هنالك إقصاء كبيرا من البعض تجاه الآخر في محاولة فرض الرأي دونما حجج.. كيف تقيّم هذه النظرة؟

هذا هو الواقع في الحقيقة، سواء في الوسط الديني أو الأدبي أو الحداثي حتى الوسط العلماني ولنكن واقعيين هنالك أوساط تُقصي بعضها البعض ولكنها تلتقي، وهناك أوساط تُقصي غيرها فقط.. فالحوار مفقود.. ورأيي أنه يفترض أن يكون هنالك حوار يوضح الأفكار.. فمن يهرب من الحوار هو ذلك الذي يشعر من نفسه بأنه ضعيف ولا يستطيع أن يحاوِر ولا يحاوَر لكي لا يقتنع وبالتالي يتبع، وهذا هو الذي يحدث الآن.. نحن ندعو إلى الحوار في كل شيء حتى تتضح منه الأمور.. وحتى لو لم يكن هناك اتباع على الأقل يكون هنالك استماع ووضوح.. وهذا ليس في عمان فقط بل كل المفكرين في العالم يضجون بهذا خاصة في العالم العربي والإسلامي.

هنالك أفراد ينقلون آراء دينية.. يصفها آخرون بأنها متطرفة وتلك الآراء تجعل «الدين» -وللأسف- شماعة لفرض الرأي.. ورغم حقيقة تلك الآراء إلا أن الإشكالية تكمن في المغالاة في تقديمها للمتلقي وهذا الأمر قد ينعكس سلبا في ردة فعل الآخر.. فما نصيحتكم؟

الأسلوب له دور ويجب على الإنسان أن يعرف أن آراءه غير ملزمة للآخر، فلماذا أجادل حتى أثبّت وجهة نظري؟ والذي يفرض الرأي بشكل منفر فأنا شخصيًا لا أستسيغه.. لذلك يجب على الإنسان أن تكون آراؤه غير مفروضة على الآخرين هو يقولها ولا يفترض أن يفرضها أو يشكك في الآخرين أو يهاجمهم لعدم قبولها.

يقودنا السؤال السابق إلى فكرة المطالبات بالحرية التي يعتقد البعض أنها مطلقة، وأن الجانب الفكري والثقافي لا يجب أن يكون له سقف من الحرية.. كيف ترى حدود الإبداع في الصنوف الثقافية كما في غيرها؟

في الواقع أن الحرية ليست مطلقة ويجب أن تراعي المجتمع الذي تعيش فيه.. فالمطلق يثير الفتنة فإذن ما فائدة الحرية؟ علينا أن نراعي حينما نطالب بالحرية أمن البلد واقتصاده والكثير من الأمور، فالإنسان حينما يمنع كتابه مثلًا يدعّي تقييد الحرية.. لا، بل يجب عليك أن تراعي المجتمع الذي تعيش فيه، إذا كانت هذه الحرية تسيئ للمجتمع إذن عليك التوقف، فالمجتمع المسلم لا يقبل بداعي الحرية أن تتجاوز على الذات الإلهية، وهذا يثير المجتمع المسلم، ومن حقه لا شك، فولي الأمر هو الحامي للجميع… إذن هذه ليست لجمًا للحرية بل حماية لك ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنته بدول أخرى فقد تختلف تلك الدول من ناحية أمنية أو سياسية أو ربما المجتمع متقبل لذلك.. إذن أنت في مجتمع يجب أن تراعي وضعه، ولا يجب أن تفرض على المجتمع رأيك فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى