اعتبرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية في عددها الصادر اليوم الاثنين، أن انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة الليلة الماضية يمثل نهاية مفاجئة ومؤلمة لمسيرته السياسية التاريخية التي امتدت نحو 50 عاما.
وقالت الصحيفة -في سياق مقال تحليلي حول هذا الأمر- إن بايدن أطلق تحديا حادا لمنافسه الرئيس السابق دونالد ترامب، في منتصف مايو/أيار الماضي، قائلا إنه مستعد لمناظرته مرتين قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لكن تبين لاحقا أن هذا الأمر كان أحد أكثر الأخطاء الدرامية في تاريخ الحملات الرئاسية الأميركية الحديثة، إذ كان أداء الرئيس البالغ من العمر 81 عاما سيئا للغاية أمام ترامب في المناظرة الأولى لدرجة أنه دمر تماما آماله في إعادة انتخابه.
وأعلن الرئيس مساء أمس الأحد أنه لن يسعى لولاية ثانية في البيت الأبيض، منهيا بذلك قرابة شهر من الجدل المرير والمدمر داخل الحزب الديمقراطي حول قدرته العقلية والجسدية على هزيمة ترامب ثم الحكم لمدة أربع سنوات أخرى. وأضاف بايدن: “أعتقد أنه من مصلحة حزبي والبلاد أن أتنحى الآن”.
لقد أنهى القرار الذي اتخذ أمس بشكل وحشي نصف قرن من الحياة السياسية في أروقة السلطة في واشنطن، مما ترك بايدن كرئيس في منعطف حرج في حياته والآن لم يتبق له سوى ستة أشهر ليخدم كزعيم لأقوى اقتصاد في العالم. كما يثير حتمًا تساؤلات حول غطرسة بايدن وعناده في السعي لإعادة انتخابه في المقام الأول، على الرغم من العلامات التحذيرية التي تشير إلى أن معظم الأميركيين، بما في ذلك العديد من أعضاء حزبه الديمقراطي، يريدون منه إفساح المجال لجيل جديد من القادة.
ويأمل الرئيس الآن أن يتضمن إرثه امتنان حزبه لقرار شخصي مؤلم بمنح الديمقراطيين فرصة أفضل لهزيمة ترامب، الرجل الذي يراه بايدن تهديدًا للديمقراطية الأمريكية. وفي حين أن إرث بايدن كرئيس سوف يكون محل نقاش لسنوات قادمة، فإن انهيار حملته لإعادة انتخابه سيكون محوريًا بالنسبة له، وعلى الرغم من أنه عانى من انتكاسات سياسية في الماضي، بما في ذلك محاولات رئاسية فاشلة في عامي 1988 و2008، فإن قرار الأمس سيكون مؤلمًا للغاية.
كما ستكون ضربة شخصية لزعيم معروف بعناده بقدر ما هو معروف بنظرته لنفسه باعتباره أقل من قيمته الحقيقية. لقد أُرغم بايدن على الخروج من السباق بسبب تراجع قدراته البدنية والعقلية، وليس بسبب أي فشل في السياسة. بعد دخوله البيت الأبيض في سن 78 عامًا، تتويجًا لعقود من الكفاح للوصول إلى المكتب البيضاوي، اقترح بايدن أنه سيكون رئيسًا أمريكيًا “انتقاليًا”، ويسلم الشعلة في النهاية إلى جيل جديد من القادة.
في عام 2022، بعد أن انخفضت معدلات تأييده بشكل حاد في أعقاب الانسحاب المحفوف بالمخاطر للقوات الأمريكية من أفغانستان، كانت هناك تكهنات بأنه قد لا يترشح مرة أخرى، لكن الأداء المتفوق للديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي في ذلك العام، هدأت طاحونة الشائعات وقرر بايدن المتجدد، الذي يتطلع إلى ولاية ثانية في البيت الأبيض، المضي قدمًا، وذلك بفضل نصيحة من دائرته الداخلية من المستشارين من حملته لعام 2020، بما في ذلك رئيسة الحملة جين أومالي ديلون وكبار المساعدين أنيتا دان ومايك دونيلون، الذين أكدوا أن باين يمكنه هزيمة ترامب بشكل فريد بعد أن فعل ذلك بالفعل في عام 2020.
في حين استمرت معدلات تأييد بايدن في الانخفاض طوال عام 2023، كان مساعدوه مقتنعين بأن الأرقام ستتحسن بشكل مطرد، حيث قارن الناخبون إنجازاته، بما في ذلك التشريعات المناخية الشاملة والسياسة الصناعية المصممة لإحياء التصنيع الأمريكي، مع فوضى عودة ترامب.
بعد أداء قوي في خطابه عن حالة الاتحاد أمام الكونجرس في مارس/آذار، بدأ بايدن في اكتساب بعض الأرض على ترامب في استطلاعات الرأي، لكن لم يكن ذلك النوع من الزعامة من شأنه أن يجعل الديمقراطيين مطمئنين، كما واجه بعض المشاكل الشخصية غير المتوقعة والمدمرة. بعد العثور على وثائق سرية تخص نائب الرئيس في منزله في ديلاوير، برأه تحقيق خاص من أي مخالفات، لكن تقريره النهائي تضمن وصفًا مدمرًا للرئيس بأنه “رجل مسن يعاني من فشل الذاكرة ولا يستطيع أن يتذكر متى توفي ابنه الأكبر، بو بايدن”. أثار هذا التقرير الذعر الأول بين الديمقراطيين بشأن لياقة الرئيس لمنصبه. في الوقت نفسه، تم توجيه الاتهام إلى ابنه هانتر ثم إدانته بتهمة الأسلحة النارية في محكمة فيدرالية. بحلول شهر مايو/أيار، مع تأخر بايدن قليلاً في استطلاعات الرأي الوطنية وفي العديد من الولايات المتأرجحة، كان لمساعديه مغامرة مصيرية: مناظرة رئاسية مبكرة مع ترامب. وصل بايدن إلى أتلانتا في أواخر يونيو/حزيران بعد خمسة أيام من التحضير في كامب ديفيد، بعد رحلتين إلى أوروبا في وقت سابق من الشهر. وفي خضم كل هذا، كان يعاني من التهاب في الحلق ولم يكن يشعر بأنه على ما يرام وبدا خاملاً أثناء المناظرة، حتى أصيب الديمقراطيون بالذعر عندما رأوا نقاط ضعف مرشحهم على شاشة التلفزيون في مثل هذا الوقت الحرج، حتى بدأت الدعوات له بالانسحاب فوراً.
بعد ثلاثة أسابيع فقط، تزايدت الضغوط من أجل الانسحاب، ويقول بعض الديمقراطيين إنه أصبح لا يقاوم، وخاصة في أعقاب محاولة اغتيال ترامب، والتي أدت على الفور إلى زيادة الزخم لصالح الجمهوريين.
وقال ويليام هاول، المؤرخ الرئاسي بجامعة شيكاغو، للصحيفة إن بايدن واجه قرارًا صعبًا للغاية بالانسحاب. الدافع الأساسي للرؤساء هو أنهم يلعبون لسنوات طويلة، وهم يهتمون بشدة بإرثهم ويفكرون دائمًا في المكان الذي سيجلسون فيه في التاريخ.
وأضاف هاويل أن بايدن يريد ولاية ثانية لمواصلة المبادرات السياسية التي اتخذها خلال ولايته الأولى، خاصة في ضوء حقيقة أن الرؤساء الذين يخدمون لفترات متعددة لديهم إرث أكبر وأوسع نطاقا من أولئك الذين يخدمون لفترة واحدة فقط.
وأكدت الصحيفة البريطانية أخيرا أن قرار بايدن الانسحاب من السباق الرئاسي كان تتويجا لحياة من الخدمة العامة اتسمت بالصعود المطرد إلى قمة السياسة الأميركية، والتي تخللت أحيانا خيبات الأمل والنكسات، بينما كانت المأساة الشخصية كامنة في الخلفية.
لمطالعة المزيد: موقع الدبلوماسي اليوم وللتواصل تابعنا علي فيسبوك الدبلوماسي اليوم و يوتيوب الدبلوماسي اليوم.