ثقافة وفنون

«الشهرة».. على خطى «برودواى» فى مهرجان العلمين

القاهرة: «السفير»

كان المخرج خالد جلال يعتمد على المجموعة في جعل العرض هو البطل، فلم يعتمد على نجم واحد لضمان نجاح عروضه لدى الجمهور، بينما استطاعت أعماله بمجرد مجموعة من الشباب الموهوبين الباحثين عن تحقيق حلم “الشهرة” أو النجومية، أن تجذب أعداداً لا حصر لها من الجماهير حتى أصبح مركز الإبداع الفني محط أنظار الجميع ومركزاً يلمع بنجوم ساطعة، و”القهوة العادية” خير دليل أن أعضاء الدفعة الثانية من فريق مركز الإبداع لم يكونوا قد أصبحوا نجوماً بعد، بينما وضعهم هذا العمل على الطريق وأنتج العديد من الوجوه التي أصبحت حديث المدينة اليوم.

 

يتقن خالد جلال فن إدارة المواهب، فهو يمتلك عصا سحرية يشير بها إلى نقطة الضوء في كل فرد من أفراد فريقه، ومن تلك النقطة وهذه الإشارة ينطلق صاحب الموهبة لتحقيق حلمه في الشهرة والفن، ومن هذا المعنى وعمق التجربة والتجربة الغنية على مدار السنوات في إخراج مجموعة ضخمة من المواهب إلى الوسط الفني، كتب جلال عرضه المسرحي «الشهرة» الذي افتتح فعاليات مهرجان المسرح بمدينة العلمين، وكان اختيار العرض للافتتاح لفتة ذكية تعبر عن مضمون ما يطمح إليه أصحابه، فهو العرض المسرحي الذي سبق عروض النجوم في مدينة العلمين، وكأنه يمهد الطريق للوصول إلى النجومية.

 

 

 

 

يتناول العرض قضية مجموعة من الشباب في مدرسة لتأهيل الموهوبين لتنمية قدراتهم الفنية في مجالات التمثيل والرقص والغناء والإنشاد، داخل هذه المدرسة أو الأكاديمية يعيش هؤلاء الشباب معًا لمدة عام كامل بعد اجتياز اختبارات القبول، في هذا العمل يختلط الواقع بالخيال، يكسر خالد جلال الوهم ويتحدث إلى الجمهور، ويخبرهم أن ما يحدث على المسرح الآن لم يكن مجرد خيال كاتب، بل هو واقع عاشه بين أبنائه، وشهده بنفسه حتى خرج هذا الحشد الكبير من عباءته.

 

يتعرض طلاب الأكاديمية أو المدرسة لتحديات في علاقتهم ببعضهم البعض، أحياناً بغيرة مدح شخص على آخر أو سخرية من تمسك أحدهم بطريقة معينة في تقديم الكوميديا. تصطدم وتتضارب اختلافاتهم وميولهم. ومن هذا الخلاف وهذه الصراعات اليومية، خرج لنا عرض الشهرة بمجموعة من المواهب في مجالات مختلفة: الرقص والغناء والتمثيل والكوميديا. يقدم العمل الكوميديا ​​استعراضاً موسيقياً أقرب في شكله الفني إلى عروض برودواي، خرجت الكوميديا ​​من التناقض بين واقع هؤلاء الطلاب وما يتوقعه المعلمون منهم. ففي كل مجال يفاجئ أحدهم المعلم بشيء لم يكن في حسبانه، سواء في توقعاته حول الغناء وقناعاته حول لون معين منه، أو في توقعاته وفهمه للغة العربية الفصحى، أو في فهمه للرقص وعدم قدرته على التكيف مع حركات معينة، أو في قناعات أحدهم حول فن التمثيل ورؤيته المحدودة للكوميديا. امتزجت كل هذه التناقضات حتى خرج العرض كوحدة واحدة، يرقص ويغني ويتصرف أعضاؤه كرجل واحد في بنية متماسكة حتى تشك للحظة أن المخرج استأجر أبطالاً من الخارج. مرت ساعتان كالحلم بصحبة أعضاء فريق عرض «الشهرة»، الذين يستحقون جميعاً ما وضعهم فيه قائدهم."إصلاح واضح بعرض كامل"> 

 

 

يعتمد مسرح برودواي في الولايات المتحدة الأمريكية، أهم وأشهر نموذج للمسرح السياحي والتجاري في العالم، على فنون الإبهار ومدى المهارة والإتقان في العمل الفني لإنتاج هذا الإبهار في أبهى صورة ممكنة، صورة يسحر بها صناع برودواي عيون الجمهور، فتسافر حشود هائلة من ولاية إلى أخرى أو من بلد إلى آخر، تقطع آلاف الأميال وتنفق كل أموالها فقط للفوز بتذكرة لحضور أحد عروضه التي نجحت في الاستمرار لسنوات من العمر، ويتبع نفس العمل تغيير الأبطال وكأنه سيرة إنسانية خالدة، ففي عرض “الشهرة” سيزورك رحيق هذه الأعمال وأنت داخل مسرح العلمين، وذلك للاهتمام الكبير بجودة الصورة المسرحية، العنصر الأول والأساسي في تحقيق الإبهار، بداية من تصميم العروض الجماعية في المشاهد العرضية المتنوعة، وكذلك الرقصات الفردية في إظهار مهارات الممثلين في فنون الرقص. هذه المشاهد الجماعية، بكل اختلافاتها، صُممت بمهارة وتنوع في الأداء الحركي الجماعي والفردي، فخرجت هذه اللوحات بترتيب ودقة وإتقان كبيرين، ثم الديكور الذي يتغير أمامك على الشاشات الثابتة والإضاءة الاحتفالية في أكثر من مشهد، وخاصة المشهد الأخير الذي يعد الأكثر قوة وإبهاراً ولفتاً للنظر لدى الجمهور، ثم الملابس التي ساهمت في خلق صورة تنقل المشاهد إلى عالم يشبه عوالم “ألف ليلة وليلة”، وكأنك في مدينة من السحر، حيث ارتدى الممثلون ملابس لامعة في توزيع متقن على المسرح مع تدرج الألوان الزاهية. مشهد مبهر بصرياً وباهراً صُمم في قالب أقرب إلى حفلة تنكرية، وعلى أنغام الموسيقى وأغنية “الشهرة”، رقص هؤلاء المتنكرون في مدينة الأحلام، لوحة فنية رائعة ومبهرة تحمل كل ألوان الرقي والذوق الرفيع، وبذلك استطاع خالد جلال أن يخلق هذا النوع من المسرح الأقرب إلى عروض القطاع الخاص أو المسرح التجاري بمجموعة من الشباب الطامح إلى الشهرة دون الحاجة إلى نجوم الصف الأول. ويعتبر العمل نموذجاً للانتصار لجودة المنتج الفني، وكأنه يرسخ مفهوم أن الأعمال الناجحة لا تحتاج إلى نجوم كبار بقدر ما تحتاج إلى فكرة وموهبة ودرجة من الإتقان في إدارة هذه الموهبة. “الشهرة” عرض متكامل يستحق التكرار والبقاء على المسرح لموسم كامل.. تأليف وإخراج خالد جلال، بطولة طلاب ورشة مركز الإبداع، تصميم أزياء نيفين رأفت، ديكور وإضاءة عمرو عبد الله، شعر محمود المليجي، موسيقى وألحان أحمد طارق يحيى، تصميم عرض خديجة العرقان.

لمطالعة المزيد: موقع السفير وللتواصل تابعنا علي فيسبوك الدبلوماسي اليوم و يوتيوب الدبلوماسي اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى