تذكرة سفر “ذهاب فقط”…..
في المساء تحدث الي والد زوجتي الدكتور يحيي عبد الحميد عليه رحمة الله…. أخبرته بما حدث … كانت وجهة نظرة الشخصية هو ان البقاء في مصر ليس الحل الافضل بالنسبة لنا … كان عليه رحمه الله يستخدم مصطلح “Rat Race” لوصف بيئة العمل في مصر … وهو مصطلح معناه بالانجليزية “Endless, self-defeating or pointless pursuit“
لكنه ولعلمه انني متمسك بوظيفة الجامعة قال لي “دعنا نقدم طلب أجازة لمدة ٦ شهور لرئيس الجامعة الجديد … لعل وعسي” كتب طلبا مختصرا مفادة انني أريد ان أكمل بعض الابحاث التي بدأتها في كليفلاند … لم يذكر اي تفاصيل عن الخلافات في القسم … علمت بعدها بيومين ان الأستاذ الدكتور رئيس القسم ذهب الي رئيس الجامعة واقنعه بعدم الموافقة على الطلب…
مر يومان لم أذق فيهما طعم الراحة توجهت مرغما مرة أخرى الي ذلك المكتب اللعين “مكتب حجز تذاكر الطيران بشارع الجمهورية” … كنت مسلوب الإرادة… لم تحملني قدماي هذة المرة على المشي نحو المكتب والذي لا يبعد كثيرا عن منزلنا … أوقفت تاكسي وخلال دقيقتين كنت أمام الباب…. دفعت الباب الزجاجي لأجد المكتب خاليًا إلا من الموظفة القابعة خلف شاشة الكمبيوتر …. قمت بتحيتها وجلست أمامها زائغ العينين … طلبت منها تذكرة الي كليفلاند وقدمت لها الباسبور حتى تقوم بملء البيانات … قالت “حضرتك عاوز تذكرة ذهاب وعودة ولا ذهاب فقط؟!!” … إخترقت جملتها السابقة اذناي كالصاعقة … انتفض جسدي وتصبب العرق البارد من جبهتي… بصوت مرتعش أجبتها ” ذهاب فقط” …. لم تكتفي بالألم الذي سببته بسؤالها في المرة الاولى فراحت تضغط على الجرح النازف قائلة “حضرتك متأكد؟”… كدت أرجوها ان تتوقف عن الكلام وتعطيني تذكرة ذهاب فقط وتتركني أغادر في سلام …
كانت الأيام الباقية في مصر أكثر ألمًا … ذهبت الي والدتي عليها رحمة الله لأخبرها أني عائد الي أمريكا … أمي عليها رحمة الله كانت سيدة أمية لا يعنيها الجامعة او المستقبل او الطموح او بيئة العمل … قالت ببساطة “يا ولدي ايه ال يسفرك تاني؟!! يا ولدي رب هنا رب هناك” هذه الجملة كانت تجري على لسانها كثيرًا كناية عن ان الرازق سبحانه وتعالي واحد وانني يجب ان أبقي معها… قلت ” فترة قصيرة ان شاء الله … داليا والولاد قاعدين هنا وأنا هسافر وأرجع قريب ان شاء الله” … أمي كانت تعرف إنني أكذب قالت مستعطفة “مين يعيش يا ولدي … والله ها ترجع متلاقينيش”
حتي أخي وصديقي الأكبر مني مصطفي لم يكن يعلم ان هناك مشكلة في الجامعة … الحقيقة انه علم بقرار فصلي من الجامعة بعد سفري بعدة أشهر من صديق له في شركة تكرير البترول …. هذا الصديق عرف عن طريق الدكتورة حنان شرف …
مهمة أخيرة أجلتها لما قبل السفر بيوم واحد وهي مهمة وداع أخي الأكبر في الإسكندرية… غادرت من أسيوط الي الإسكندرية قبل السفر بيوم واحد .. أمضيت معه عليه رحمه الله سويعات قليلة ثم غادرت في قطار العاشرة متجها الي القاهرة … وصل القطار الي القاهرة في حوالي الثانية عشرة والنصف صباحًا… كان كل شيء حزين…. كانت القاهرة شاحبة على غير عادتها … عندما وصلت الي المطار كان يعج بالمسافرين … خيل الي ان كل هؤلاء المسافرين يحملون تذكرة سفر “ذهاب فقط” .. وان تلك الطائرات قطعًا ستعود فارغة لتحمل المزيد من المصريين اللذين ضاق بهم الوطن مثلي الي أرض الله الواسعة….