«أوبرا العتبة».. هيستريا الواقع فى سيمفونية شعبية صاخبة!

إن تميز الأعمال الفنية يأتي من قدرتها على خلق الدهشة، والدهشة في “أوبرا العتبة” تبدأ من اسم العرض المسرحي، وهي جملة تجمع بين كلمتين متناقضتين.. فن “الأوبرا” والأثر الذهني الذي يتركه في العقل الجمعي بتركيبته الفنية المعقدة، وبالتالي تصنيفه كأحد الفنون الراقية للنخبة، ومنطقة العتبة الشعبية التي تحتوي على مجموعة ضخمة ومتنوعة ومتناثرة من الباعة الجائلين والأفراد المتناثرين يلهثون بين أطراف شوارعها بحثاً عن شيء لم يدركوه بعد من سور الأزبكية إلى سوق الباعة المزدحم في مشهد عبثي غير مكرر.. وهكذا يصاب المستمع لاسم العرض بالدهشة المقيتة.. في محاولة لتخيل شكل مضمون هاتين الكلمتين اللتين اجتمعتا في لحظة فنية وزمنية متميزة!
ولم يقتصر إبداع المخرج والكاتب هاني عفيفي على إثارة الدهشة من اسم العرض وحده؛ إذ كان المحتوى الفني الذي تبع هذا الاسم جريئاً للغاية في عنصر خلق الجذب الجماهيري، وخاصة أولئك الباعة الذين يعيشون واقعاً موازياً وغربة عن المسارح المجاورة لهم على حافة المنطقة؛ فقرر عفيفي إخراجهم من بين جدران مسرح فانغارد إلى منتصف الميدان؛ بينما كانوا يصيحون في نداء لا يتوقف يعلنون فيه عن بضائعهم المتنوعة.. يفاجئهم شاب وفتاة هما روجينا صبحي ومحمود إيهاب بالغناء الأوبرالي، يرددون بأصواتهم العذبة أجزاء من أوبرا كارمن على عتبة الميدان.. بنى عفيفي مسرحاً صغيراً على باب الطليعة.. في جرأة وترقب للخروج على هؤلاء الناس وقياس ردود أفعالهم تجاه هذا النوع من الفن شديد الخصوصية.. يقف المارة والباعة في الشارع مذهولين يستمعون إلى الغناء الأوبرالي في دهشة وربما سخرية وإعجاب واستمتاع لا يستطيعون إخفاؤهما.. مشهد يجسد شدة الاغتراب والتناقض بين سوق عشوائي ومجمع مسرحي يغرق في وحل السلع الاستهلاكية!"إصلاح واضح بعرض كامل">