الدكتور مصطفى عثمان/ حقوق مصر المائية مُصَانة حتى ولو كان التعنت الأثيوبي أضعاف ما هو عليه الآن
كنت في زيارة لقريتي الصغيرة بالأمس وسألني أحد الأشخاص سؤالًا بخلد كل المصريين الطيبين؛ وبالعامية البسيطة المعهودة من القرويين بما انك يا دكتور بتفهم في السياسة قولي هنعمل ايه في سد النهضة؟.
كانت إجابتي لهذا السؤال أنه للإجابة على هذا السؤال لابد أن تعرف أن القضية تقع بين حقين لا يجوز انكار احدهما على حساب الآخر؛ الأول هو حق أثيوبيا في بناء السد من أجل التنمية ولا بد أن تضع في اعتبارك أن ستين بالمائة من الشعب الأثيوبي ليس لديه كهرباء إلى الان؛ الثاني هو حقنا نحن في حصة ثابتة من مياه النيل تقدر بحوالي أربعة وخمسين مليار متر مكعب من المياه وثماني عشر مليار أيضا للسودان سنويا وفقا لاتفاقيات دولية ابرمت بين الدول الأوربية المستعمرة لهذه البلدان عام 1929 : 1959 م .
لكن اختلافنا مع الجانب الأثيوبي الان ليس من أجل انكارنا لحقه في بناء السد أو حتى سدود أخرى أن أراد ذلك و أنما اختلافنا معهم هو من أجل مشاركتنا نحن و السودان في إدارة السد بالشكل الذى نضمن معه عدم التأثير على حقوق الدولتين المائية في مياه النهر خاصة في فترات الجفاف لكن أثيوبيا ترغب في انفرادها بالإدارة و تعلن مشافهة انها ستراعى حقوق الدولتين و لا ترغب في تقديم التزام مكتوب يمكن ان نعتد به عندما تلجأنا الضرورة إلى ذلك ؛ كما أن أنفرد اثيوبيا بالإدارة في ضوء عدم تعهدها المكتوب بمراعاة مصالح الدولتين في مياه النهر سيؤدى الى نتائج كارثية بيئية خاصة في مصر ألا هو تصحر مساحة شاسعة من أرضنا الزراعية تقدر بنحو ثلث المساحة المزروعة الان تقريبا مما سيكون له بالغ الأثر على الاقتصاد المصري ؛ أيضا انخفاض مستوى المياه في بحيرة السد العالي و الذى سيؤثر على عمل التريبينات في السد و يعطل انتاج الطاقة الكهرومائية ؛ هذا فضلا عن انخفاض معدل الأمان في سد أثيوبيا و الذى لا يصل بحسب التقارير الى ارقام الأمان التي في الكود العالمي لبناء السدود ؛ و هذا ما يؤدى الى ارتفاع سقف مخاوفنا من سد اثيوبيا الذى قد يكون في لحظة عرضة للانهيار و اغراق مساحات شاسعة في دولتي المجر و المصب ( السودان و مصر ).
بالنهاية اختتمت حديث معه برسالة طمأنينة بعد مداخلة منه بقوله : لماذا لم تتدخل مصر الى الان لدرء هذه المخاطر ؟ … قلت له يجب أن تضع في اعتبارك أمور عدة أولها أن أثيوبيا تشكل نافورة للمياه و من الطبيعي ليس بمقدورها ابدا أن تختزن كميات المياه القادمة لنهر النيل من هضبة اثيوبيا داخل حدودها الإقليمية ؛ كما أنه لا تستطيع أي دولة في العالم مهما كانت عليه من قوة أن تحول مسار نهر دولي كنهر النيل ؛ اما بخصوص لماذا لم تحسم المسألة حتى الان فإن مصر بقيادتها الواعية و ثوابت خارجتها الراسخة التي تتفق مع قواعد القانون الدولي في كل ملف دولي تديره مصر ؛ فقد سلكت مصر في ضوء هذه الثوابت الطريق الشرعي لحل الازمة و إدارة هذا الملف كغيره بحرفية شديدة و طرقت كل باب للحل بدأ من مرحلها الأولى التمهيدية و هي المفاوضات مع اثيوبيا إلى مرحلة الوساطة و التحكيم و هي الان تنتظر أن يتفهم الجانب الأثيوبي موقفه المتعنت و يدرك أن الازمة في مرحلها النهائية للحل و كل الخيارات في هذه المرحلة مطروحة … قال و ماذا ننتظر ؟ ؛ قلت له لتحقيق ما ترنو اليه و أرجو ألا تلجأنا الضرورة إلي فعله لابد أن يلحق بنا ضرر حال و مباشر من جراء أي تصرف أثيوبي يهدد مصالحنا المائية حتى تتحقق نظرية الدفاع الشرعي وفقا لقواعد القانون الدولي و الذى يتطلب كما هو في القوانين الوطنية أيضا الخطر الحال و المباشر الذى لا يمكن دفعه الا باستخدام القوة ؛ و من ثم مشروعية استخدام القوة و في هذه الحالة لا نخضع للإدانة الدولية … حفظ الله مصر إقليميا و شعبا و قيادة و حكومة و مؤسسات .