“رسائل لم تقرأ بعد” قصة قصيرة للكاتبة دنيا حسين
جمعت أقلامها، وأمسكت هاتفها في يديها، واستعدت لكي تذهب إلى الجامعة للاختبار؛ ولكن هذه المرة بدت مختلفة، لم يكن يسيطر عليها الخوف من الرسوب من الامتحان مثل باقي المرات؛ كان يظهر على ملامحها الحزن، كل من ينظر إليها من أهلها يعلم انها حزينة، كانوا يظنون انه خوف من الامتحان؛ ولكنه أمراً آخر.
دخلت إلى غرفة والدتها وتوجهت ناحيتها وقبلت رأسها ونظرت إليها قائلة:
– دعواتك يا أمي
كانت امها تشعر أن ابنتها حزينة لشيء آخر ولكن فضلت سؤالها فيما بعد.
= الله يوفقكِ يا هَنا، انتبهي لحالك في الطريق.
– حاضر يا أمي، إلى اللقاء.
نزلت درجات السلم، وتحركت نحو موقف الحافلات، ثم صعدت الحافلة وجلست في كرسيها المفضل قبل الأخير، كانت تشعر بامتعاض شديد عندما تجد احداً جالسًا في مكانها، وتود أن تقول له إنه كرسيها، لم تكن تبالغ حين تفكر انها تود أن تضع اسمه عليه حتى لا يجلس أي شخص في هذا المكان.
بعدما جلست على كرسيها فتحت كتابها لتبدأ بالمراجعة مثلما تفعل في كل مرة.
وهي في طريقها للجامعة، كانت ممسكة بالكتاب وتنظر إليه وكأنها لا ترى الكلام، أحست انه لا جدوى من المراجعة فأغلقت الكتاب واسندت رأسها وهي تتابع الطريق بملل شديد.
فتحت هاتفها النقال، وأخذت تتصفح صفحتها الإلكترونية، وبين الحين والآخر تنظر إلى رسالتها التي أرسلتها إليه متسائلة هل شاهدها أم لا! وبالفعل عندما فتحت المحادثة التي بينهما رأت انه شاهد الرسالة؛ ولكنه لم يرد عليها مثلما فعل في اليومين السابقين وهي لا تعرف سبباً لتغيره تجاهها.
أخذت تتابع الطريق مرة آخري، وهي شاردة الذهن تفكر فيه، وتقول في نفسها، لماذا يبتعد عنها كل مرة بدون أي وجه حق وبدون مقدمات وهي اعتادت على وجوده في حياتها! هي تحاول بشتى الطرق أن تكون بجانبه في كل الأوقات في حزنه وسعادته ونجاحه وطموحه وتحاول التخفيف عنه إذا اصابه مكروه.
ثم تحاور نفسها وتسأل لماذا لا تشعر يا يوسف بمدي عذابي وحرقتي حين تقرر الانعزال عني، وأنت تعرف مدي حبي إليك؟! أصبحت في حيرة دائمة من أمورك وتصرفاتك وبدأ الشك يدخل في قلبي من عدم حبك احتياجك لي في حياتك، أصبحت أشعر انني مثل البطاقة الشخصية لا يُلتفت إليها إلا عند الحاجة والاستخدام، رغم اهميتها وعند ضياعها تعد كارثة من كوارث الحياة الكُبرى.
وفي كل مرة تود أن تضع موقفاً حاسماً لهذا التغير بأن تبتعد او تواجهه؛ ولكن دون فائدة بمجرد كلمة واحدة تعبر عن رضاه عنها تنسي كل هذا العذاب، وتشعر أن الحياة عاد لها الوانها.
كيف يصبح الإنسان ساذجاً إلى الدرجة التي تجعل حاله يتغير لمجرد كلمة او نظرة لمجرد وقوعه في الحب، أهذا دليل ع الضعف، أو ارتباط روحي بشخص لا يفهم أن روحك ومصيرك معلقة في قبضة يده.
ولكن…. إلى متي تظل هكذا بلا قرار!
توفقت الحافلة أمام بوابة الجامعة فنزلت منها ودخلت الجامعة ثم توجهت إلى مكان لجنتها حيث يقف صديقاتها، أخذت تسلم عليهم بالتناوب بالقبلات والأحضان وكل من ينظر إليها يري معالم الحزن ظاهرة على وجهها، رغم محاولتها في إخفاء ذلك بالابتسامة ومحاولة الضحك ورمي النكات؛ ولكن عينها تفضحها دائماً؛ وبررت هنا ذلك بالقلق الشديد من هذه المادة وأخذت تدعو الله بأن يأتي الامتحان سهلاً على الجميع.
وفجأة ..
خطرت في بالها فكرة بأن ترسل ليوسف رسالة تطلب منه أن يدعو لها بالنجاح لخوفها الشديد من هذا الامتحان، لعله يحن عليها ويرد عليها هذه المرة.
دق جرس الامتحان يعلن باستعداد الطلاب للذهاب إلى لجنتهم لحل الاختبارات المتنوعة، وصعدت هَنا مع صديقتها التي معها في اللجنة وامتحنت وخرجت سريعاً من اللجنة، وفضلت عدم انتظار صديقاتها، حتى لا يلحون عليها بالسؤال عن سبب حزنها.
خرجت من الجامعة ثم توجهت لتصعد الحافلة وجلست في مكانها كالعادة وفتحت حقيبتها لتخرج منها الهاتف، وتعجلت سريعاً في فتح الهاتف بعد أن اغلقته في لجنة الامتحان وتوجهت مباشرة إلى محادثة يوسف؛ ولكنه لم يرد عليها كما كان المتوقع.
امتلأت عينها بالدموع، لشدة معاناتها من عدم رده عليها، وحاولت تتمالك نفسها حتى لا تبكي، ولكن دون جدوى نزلت دَمعة من عينها، وأخذت تسأل نفسها، لماذا يحدث كل هذا، هي حقاً أصبحت لا تدري ما هي الجريمة التي ارتكبتها حتى يبتعد عنها!
وصلت إلى البيت، وبمجرد أن فتحت الباب سمعت صوت ضحكات سُعاد صديقة والدتها تتبادل أطراف الحديث مع أمها، فدخلت وقال:
– السلام عليكم.
فردت كل من الأم والصديقة السلام، وأقبلت هَنا مسرعة تحضن سُعاد وترحب بها فهي تحبها كثيراً، وتعتبرها في مقام والدتها، وفي كثير من الأحيان تحكي لها أسرارها، فهي لم تكن صديقة والدتها فقط، بل كانت صديقتها ايضاً.
سألتها سُعاد:
– ماذا فعلتِ في الاختبار؟
فردت:
– كان يسيراً بفضل الله ودعوات أمي لي.
قالت والدتها أنها سوف تدخل إلى المطبخ لكي تحضر الطعام لكي يتناولون الطعام معاً؛ لأنهم كانوا ينتظرونها حتى تعود.
ولكن هَنا قالت انها لا تود أن تأكل الآن، وأنها تفضل النوم لتعبها الشديد.
ثم طلبت منهم الانصراف، وذهبت إلى غرفتها، أمسكت الهاتف مرة آخري ونظرت إلى المحادثة؛ لكن كما كان متوقع عدم الرد.
نظرت سُعاد إلي الأم، وقالت لها:
– يبدو على هَنا الحزن.
فردت الأم:
– انها هكذا قبل ذهابها إلى الجامعة؛ ولكني فضلت سؤالها بعد رجوعها.
فقالت سُعاد:
سوف أطمأن عليها ريثما تنتهين من إعداد الطعام.
اومأت الأم برأسها موافقة ولكن القلق كان باديًا على ملامحها فربتت سُعاد على كتفها، وقالت لها:
– لا تقلقي، سيكون كل شيء على ما يرام.
توجهت الأم إلى المطبخ، ثم طرقت سُعاد الباب؛ فأذنت لها هَنا بالدخول.
فقالت سُعاد:
– أردت الاطمئنان عليكِ، ماذا بكِ؟
– لا شيء، اشعر بالتعب والإرهاق من آثر المذاكرة، والامتحانات.
– هل ستخفين عليّ؟
ثم اقتربت منها وقبلت رأسها، وقالت:
– أود الاطمئنان عليكِ.
نظرت هَنا إليها والدموع تنساب من عينها، وقالت:
– يوسف لا يرد على الهاتف منذ يومين، ولا حتى على رسائلي. أنا أشعر أنه يبتعد عني ولا يريد الحديث معي، وأنا لا أفهم ما السبب، كل ما أريده هو الاطمئنان عليه.
اندهشت سُعاد، ونزل الكلام عليها كالصاعقة، مصدومة، لا تعرف كيف ترد عليها.
لأن الحقيقة بأن يوسف خطيبها استشهد منذ عام ونصف في إحدى عمليات سيناء الإرهابية! كيف تعتقد بأن يوسف مازال حياً!
فتوجهت سُعاد بالسؤال لهَنا:
– يوسف من؟
– خطيبي.
– وكيف له أن يرد عليكِ وهو متوفي منذ عام ونصف! ماذا بكِ يا هَنا؟
انهارت هَنا في البكاء الشديد وأخذت تصرخ، وتقول:
– يوسف لم يمت، أنتِ تكذبين عليّ.
حاولت سُعاد تهدئتها، واسرعت الأم إلى غرفة ابنتها فزعة على صراخ ابنتها.
قالت هَنا لأمها:
أخبري طنط سُعاد أن يوسف لم يمت إنه حي يا أمي، هو وعدني انه لن يتركني ابداً.
ثم سقطت مغشية عليها.
امسكت الأم ابنتها وهي تبكي وتقول:
– لا تتركيني يا هَنا.
وفي نفس اللحظة اتصلت سُعاد بالطبيب للحضور، والأم تحاول أن تيقظ ابنتها من اغمائها، ثم حملوها إلى سريريها.
دق الجرس واسرعت سُعاد لفتح الباب، بينما كانت الأم بجانب ابنتها تبكي، دخل الطبيب مسرعا وأتم فحصها، فوجد انها مصابة بارتفاع حاد، في ضغط الدم واعطاها الطبيب حقنة مهدئة للأعصاب.
خرجت الأم وسُعاد مع الطبيب، وحكوا له ما حصل، فقال الطبيب انها يجب أن تعرض علي طبيب نفسي، لأنها من المحتمل انها سوف تكون مصابة بانفصام في الشخصية لعدم تصديقها موت خطيبها.
انصرف الطبيب، ودخلت الأم إلى ابنتها وتبعتها سُعاد، أخذت تنظر الأم إلى ابنتها في حزن شديد وتقبل يديها وتقول لها: لا تتركيني.
أخذت سُعاد تطمئنها وتقول لها:
– لا تقلقي، ستكون بخير، فلتتركيها لترتاح قليلا.
ولكن الأم لم تترك ابنتها حتى تأكدت من نومها، وخرجا الاثنان من غرفتها.
والحقيقة أن هَنا مستيقظة وفضلت تمثيل النوم حتى يتُركاها بمفردها، وعند خروجهم من غرفتها وأخذت تبكي وامسكت هاتفها، وفتحت الحساب الشخصي الخاص بخطيبها فهي تعرف الرقم السري له، كما كان هو يعلم رقمها السري، طوال العام ونصف وهي ترسل الرسائل لنفسها وترد عليها وأحيانا لا ترد، مفضلة انه مبتعد عنها أفضل من أن يكون فارق الحياة بأكملها ….