قالت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية إن اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في 31 يوليو/تموز 2024، وضربتها في 30 من الشهر ذاته التي استهدفت القائد العسكري لحزب الله فؤاد شكر في بيروت، قد ينذر بتصعيد الصراع بين إسرائيل ولبنان.
وأشارت المجلة الأميركية إلى أن هذه العمليات جاءت بعد أن توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بفرض “ثمن باهظ” على حزب الله بسبب هجوم صاروخي أدى إلى مقتل 12 طفلاً في ملعب لكرة القدم في مجدل شمس، وهي بلدة درزية في مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل.
وأشارت المجلة إلى أن تراجع الجانبين عن المزيد من التصعيد ليس مضمونًا، على الرغم من أن الحرب والتصعيد سيكونان كارثيين لكلا الجانبين.
منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، أطلق حزب الله آلاف الصواريخ والقذائف على إسرائيل، فضلاً عن الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات على أهداف على طول الحدود. وردت إسرائيل بضربات جوية ومدفعية على مواقع حزب الله في لبنان، فضلاً عن اغتيالات لقادة حزب الله. وبلغ عدد القتلى نحو 350 مقاتلاً من حزب الله و100 مدني لبناني، إلى جانب 23 جنديًا إسرائيليًا و17 مدنيًا. وأدى القتال المستمر تقريبًا إلى نزوح 60 ألف إسرائيلي من شمال إسرائيل ونحو 100 ألف شخص من الجانب اللبناني من مناطق الحدود.
وحذرت المجلة من أنه في حال توسع الصراع، فإن ترسانة حزب الله الصاروخية الضخمة وقواته العسكرية المتمرسة ستشكل تهديدا كبيرا لإسرائيل، ومن المرجح أن يكون الاضطراب أكبر بكثير مما شهدته إسرائيل منذ عقود، حتى بما في ذلك هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ومع ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي يستعد لهذه الحرب منذ فترة طويلة، ومن المرجح أن تكون عملياته أكثر احترافية ووحشية، وقد تؤدي إلى تدمير لبنان وكذلك حزب الله.
وبحسب المجلة، هناك مخاوف من أن تمتد الحرب أيضًا إلى سوريا والعراق المجاورتين، حيث توجد قوات مرتبطة بإيران ومتحالفة مع حزب الله، وتتمتع بقدرات صاروخية وطائرات بدون طيار يمكنها الوصول إلى إسرائيل. كما يمكن للحوثيين في اليمن دعم حزب الله في الصراع ومواصلة الحرب ضد إسرائيل، حتى لو توقف القتال في غزة.
ورغم أن الحرب الكبرى ستكون مدمرة، فإنها قد تأتي على أية حال، وخاصة أن الضربات الانتقامية الحالية قد تخلق حلقة خطيرة من الصراع. ومن الجدير بالذكر أن الحكومة الإسرائيلية ومواطنيها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول ليسوا في وضع يسمح لهم بالتسامح مع التهديدات المحتملة على طول الحدود، ونظراً لخطر الحرب وعواقبها، يتعين على الولايات المتحدة أن تواصل جهودها للتوسط في وقف إطلاق النار، في حين تستعد في الوقت نفسه لاحتمال فشل هذه الجهود.
إن حزب الله، أحد أكثر الجماعات غير الحكومية تسليحاً في العالم، يشكل تهديداً جوياً أكثر خطورة على إسرائيل من حماس. وبفضل المساعدات الإيرانية والمساعدة التقنية، يمتلك حزب الله ترسانة تتألف من 120 ألفاً إلى 200 ألف صاروخ وقذيفة. ومن المرجح أن تتألف أغلب هذه الترسانة من طائرات بدون طيار وصواريخ قصيرة وطويلة المدى غير موجهة، مثل بركان وفجر 3 وفجر 5، فضلاً عن صواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى أكثر فتكاً، مثل زلزال 1 وزلزال 2، وصواريخ سكود (ب وج ود).
وأخطر الصواريخ التي يمتلكها الحزب هي صواريخ “فاتح 110م 600” الموجهة قصيرة المدى، وهي ذخائر دقيقة التوجيه تستخدمها روسيا حالياً في حربها على أوكرانيا، ويبلغ مداها ما بين 250 إلى 300 كيلومتر، وهي قادرة على الوصول إلى كل المناطق المأهولة بالسكان في “إسرائيل”.
وبالإضافة إلى ترسانته الهائلة من الصواريخ والقذائف، يمتلك حزب الله بعضاً من أكثر المقاتلين مهارة في الشرق الأوسط. ومنذ نشأته في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، قاتل حزب الله الجيش الإسرائيلي، وفي نهاية المطاف طرده من لبنان بقوة السلاح في عام 2000. وبعد ست سنوات، خاضت إسرائيل وحزب الله حرباً استمرت 34 يوماً وانتهت دون انتصار، وبدا الطرفان غير راغبين في تكرار التجربة.
وواصلت فورين بوليسي مناقشتها للخبرة القتالية لحزب الله، مشيرة إلى أنه تدخل منذ البداية في الحرب الأهلية السورية في عام 2011، وعمل مع إيران والحكومة السورية لإبقاء نظام الأسد في السلطة. كما نسقت قوات حزب الله مع القوات الجوية الروسية بعد تدخل موسكو في سوريا في عام 2015، وعملت بشكل وثيق مع فيلق القدس الإيراني، الذي لعب دورًا حاسمًا في دعم الحكومة السورية. هذه القوات المتمرسة (حزب الله) ماهرة، ولديها مستوى عالٍ من الروح المعنوية، وقادرة على تنفيذ عمليات معقدة ويمكنها الاستمرار في القتال حتى في مواجهة صراع وحشي.
وترى المجلة الأميركية أنه في حين أن الخسائر الفادحة التي تكبدها حزب الله تجعله حذراً من خوض حرب أخرى، فإنه إذا اندلعت الحرب سيكون مستعداً لها، وسيقاتل مقاتلوه دفاعياً من مواقع معدة مسبقاً على أرض يعرفونها جيداً.
ويمتلك مقاتلو حزب الله أيضًا صواريخ موجهة مضادة للدبابات، وأنظمة دفاع جوي محمولة، وأنظمة صواريخ أرض-جو، ومتفجرات متطورة، بما في ذلك القنابل الخارقة للدروع التي تستخدمها الجماعات المدعومة من إيران في العراق ضد القوات الأمريكية والقادرة على اختراق ناقلات الجنود المدرعة والدبابات.
وقد أظهرت فورين بوليسي قدرات حزب الله بالإشارة إلى حرب عام 2006، عندما احتفظ حزب الله بأسلحة متطورة مثل صواريخ كروز المضادة للسفن، واستخدمها لضرب سفينة حربية إسرائيلية بنجاح. ومنذ ذلك الحين، وسع حزب الله ترسانته من الصواريخ المضادة للسفن بمساعدة روسية. وفي عام 2006 أيضًا، أظهر حزب الله أنه يمتلك شبكة أنفاق ضخمة، واستمر هذا في السنوات التي تلت ذلك. في عام 2019، اكتشفت إسرائيل نفقًا لحزب الله بعمق 22 طابقًا. ولا شك أن هذه الأنفاق تشكل كابوسًا للعمليات العسكرية الإسرائيلية.
وعلى النقيض من ذلك، تتمتع إسرائيل بجيش متمرس في المعارك وميزة كبيرة في القدرات التكنولوجية، من الجيل الخامس من طائرات الشبح إف-35 لايتنينج 2 إلى واحدة من أكثر مخزونات الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة تقدماً في الشرق الأوسط. وسوف يدخل جيش الدفاع الإسرائيلي لبنان بقوة نيران ساحقة وسوف يسحق بسرعة أي مقاومة واسعة النطاق من حزب الله، مما يجبر المجموعة على القتال إلى حد كبير في وحدات صغيرة أو ملاحقة حرب العصابات، والتي من المرجح أنها استعدت لها. كما تدربت إسرائيل بانتظام لمحاربة حزب الله، الذي تحترم قدراته، على عكس حماس، التي قللت إسرائيل من شأنها بشدة قبل السابع من أكتوبر.
وأكدت مجلة السياسة الخارجية أن أحد الأسئلة المهمة المطروحة حاليا هو كيف يستخدم كل طرف حرب الطائرات بدون طيار، خاصة وأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا أظهرت كيف يمكن لاستخدام هذه الطائرات أن يغير مسار الحرب، خاصة عند استخدامها في العمليات المشتركة.
وفي هذا الصدد، أوضحت المجلة أن “إسرائيل”، التي تعد رائدة في استخدام الطائرات بدون طيار، تستخدم هذه الطائرات في كل جوانب عملياتها الجوية تقريباً، فيما يستخدم حزب الله الطائرات بدون طيار أيضاً للاستطلاع ومهاجمة “إسرائيل”. وقد يمتلك حزب الله 2000 طائرة بدون طيار، معظمها من إيران، بحسب “فورين بوليسي”.
وتعتقد المجلة الأميركية أن إسرائيل تستعد لهذا الصراع المحتمل منذ عام 2006، ومن المرجح أن جيشها جمع قدراً كبيراً من المعلومات الاستخباراتية وطور مفاهيم عملياتية مناسبة لجنوب لبنان. ولكن حزب الله ليس لاعباً ثابتاً أيضاً، وبمساعدة إيران وربما روسيا، استعد أيضاً لجولة أخرى من الحرب مع إسرائيل.
وأكدت المجلة أن هذه الحرب -إذا حدثت- ستكون خارجة عن التوقع من حيث طبيعتها ونتائجها، إذ لا يزال من غير المعروف ما إذا كان حزب الله سيتمكن من مقاومة الهجوم الإسرائيلي، ومدى المعاناة التي يستعد لتحملها.
وعليه، يتعين على الولايات المتحدة أن تحاول تعزيز السلام في حين تستعد في الوقت نفسه لصراع موسع. وفي حين أن الجهود التي يبذلها آموس هوكشتاين، المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان، لتأمين وقف إطلاق النار جديرة بالثناء وينبغي أن تستمر، يتعين على واشنطن أيضا أن تستعد لمواجهة أي تورط إيراني أكبر، أو تورط وكلائها في العراق وسوريا، وأن توضح بشكل لا لبس فيه لحزب الله أنه إذا تصاعدت الأمور أكثر، فإن الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل بقوة.
لمطالعة المزيد: موقع السفير وللتواصل تابعنا علي فيسبوك الدبلوماسي اليوم و يوتيوب الدبلوماسي اليوم.